منهم من يكتب لجاه والآخرون ليقال عنهم يكتبون منهم من يكتب للكتابة فقط ومنهم من يحبها ومنهم من لا يحترمها ، ولكن كيف ولماذا ؟ هل هي عبارة عن معادلة رياضية يصعب حلها أم أن المعادلة غير مكتملة العناصر فهي والحالة تلك تحتاج لمن يصوبها.
منهم من يكتب تحزبا لفكرة ما أو لجماعة ما. قلمهم مأجور يحاولون أن يقنعوا القارئ بأفكارهم المسمومة ، مأجور لفكرهم وشغفهم بحب الظهور، يلجأ ون لفنون اللغة من إطناب وجناس ومقاربة ومواربة بغية التأثير على القارئ الحائر (وليس الناس ، لأنه ليس كل الناس تقرأ كما هو معروف).
هذا هو حال معظم كتابنا اليوم ، قلمهم مأجور وكلمتهم مسمومة ، وأفكارهم محسوبة لفلان أو علان، قلما تجد فيها الحياد والموضوعية. جانبوا التخصص وأصبح عبقريهم يكتب في السياسة والاقتصاد وعلم النفس والطب وعن الريف والشعر والبادية والقمر والمريخ. بالله كم هذا الكاتب عظيم ! انه موسوعة بحد ذاتها يفهم كل شيء ويتحدث عن كل شيء ، وله مقال في كل مقام ، وبعد ذلك كله يريد من الآخرين أن يقرؤوا له . يريد من كل الناس بكل اختصاصاتهم ومشاربهم أن يقرأو له ، يريد من ويعتب على الطبيب والعامل والموظف الحكومي والمرشد الاجتماعي وحتى من صنوه. يريد منهم المشاركة والتعليق على ما قاله في المواقع الإلكترونية التي تزخر بما هب ودب من أخبار الدنيا منها السمين واغلبها الغث.
نعود للقول إن من البيان لسحرا كما قالت العرب في سالف الأزمان، كتاب الأعمدة والكتاب الموسميين لا يختلفون عن مؤسسات النشر من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، فمعظمها مسيسة وما كانت السياسة منهجا لها قط و لا تقبل الرأي الآخر وتتهمه على الدوام، تنتهج خطا واحدا وتعتقد جازمة بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة وأن ما تكتبه و تورده هو الحقيقة دون منازع ، وان غيرها مشكوك فيه.
وتستطيع فيما تستطيع ، أي السلطة رقم 4 ، التأثير وتسيير الرأي العام المقموع بوساطتها تارة والمتواطىء معها تارة أخرى . ولقد نجحت تلك الرابعة بزبانيتها من المستعرضين من حملة الأقلام المأجورة والمستأجرة في تسيير دفة الحكم المستبد في كل الدول العربية ،إلا في ما رحم ربي منها، فأصبح الناس يقرؤون صحيفة واحدة و"لكتاب" بعينهم معرفون بتعصبهم السياسي واستبدادهم وتطاولهم على حرية الرأي والرأي الآخر المقدسة ، مدفوعين من قبل جهات نفعية تسعى للمناكفات الرخيصة على حساب مصلحة الوطن العليا والمواطنين المسيرين ، ومسنودة من مؤسسات السلطة المستبدة.
الكاتب غدا رخيص وربما أصبح أرخص من البندورة ، فكل من مسك القلم نعت نفسه بالكاتب وادعى بهتانا مهنة الكتابة الشريفة ، وأصبح يكتب في صحف معروفة برسميتها الشديدة ، وجيرتها لسلطة الحزب الواحد . ليس لأنه جدير لا سمح الله بل لواسطة ومعرفة في تلك الصحيفة أو ذاك الموقع الإلكتروني ، حيث طغت إلكترونيته على آدميته ، أي الموقع، فجذب الناس لأسمه أو شكله لا لمضمونه ومضمونه فقط ، وشاغله المبرمج قبل القارئ.
إلى متى يبقى بعض كتاب الأعمدة جاثمين على صدر القراءة، أفكارهم هي هي قد بلغت من الجمود عتيا ، وان تغيرت فإنها طفرة ، بما تحويه هذه الكلمة من معنى لا يخفى على القارئ الفصيح ، حتى تغييرهم تشويه لا مفر منه سوى احتماله. هؤلاء "الكتاب" الذي لم يجدوا عملا آخر لهم سوى الكتابة لهم منا الاحترام والتقدير لأنهم جعلونا نعرف الحقيقة كما هي، فمن يقرأ لهم يدرك فداحة جهلهم بالمواضيع التي يدعون معرفتهم بها، ويدرك النقيض الصريح.
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت ، وأي الناس تصفو مشاربه
بقلم غير مستأجر ولن يستأجر
خلدون القيسي
ايلول /4/ 2009